بيرني ساندرز: التقدمي من موقعه الإمبريالي


(كتبت هذا المقال منذ أكثر من شهر وكان من المفترض أن يُنشر في حبر ثم حالت ظروف الكورونا دون ذلك؛ أنشره هنا الآن لا تشفيا في انسحاب ساندرز وإنما لأن قضايا الإمبريالية المالية وبناء شبكات الضمان الاجتماعي في حواضر الإمبراطورية على حساب أطرافها، وأسئلة التضامن العالمي ومحاولات فرض اليسار الإمبريالي لأجندته ومصالحه على بقية العالم، تبقى كلها قضايا ملحة؛ بالذات في ظل أزمة كورونا). 

وعود ساندرز الاجتماعية والإمبريالية المالية

قدم بيرني ساندرز، ربما لأول مرة في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية منذ انتخاب فرانكلين روزفيلت، برنامجًا قائمًا على إنشاء شبكة رعاية اجتماعية، فتحمس له الكثير في أمريكا بالذات ما بين الشباب وذوي الميول "التقدمية"، وتيم به بعض مثقفينا وأصبح التغني به من عادة بعض "اليساريين" و"المعارضين" في عالمنا العربي كأن علينا، حتى في خطاب المعارضة، أن نأتم بالمركز الإمبريالي.

ولكن في غياب أي رؤية ثاقبة لموقع أمريكا الإمبراطوري وأي نقد للإمبريالية، فإن وعود ساندرز لا تتعدى إعادة ترتيب محدود للأوراق الإمبراطورية تستفيد منه الأقلية في حاضرة الاستعمار على حساب بقية شعوب العالم.

تعلم ساندرز الاشتراكية، كما يقول هو، في كيبوتز إسرائيلي، أي إنه تعلم أن الاشتراكية إنما تكون بتحقيق العدالة ما بين نخبة استعمارية بيضاء على حساب موارد أصحاب الأرض وعمالتهم التي تُنكَر، لتقديم الفئة الاستعمارية كما لو كانت هي الفئة العاملة حصرًا. إلا أن اشتراكية الكيبوتز التي يعتنقها ساندرز لا تتعلق فقط بتجربته مع الكيان الصهيوني ولا حتى بتشابه التجربة الاستيطانية الأمريكية مع التجربة الصهيونية، وإنما ترتبط كذلك بحقائق الرأسمالية والإمبريالية.

إن الذي جعل دولة الرفاة في الغرب ممكنة هو الفائض المالي الذي حققته وتحققه هذه الدول بفضل نهب ثروات المستعمرات إمّا عن طريق السرقة المباشرة أو عن طريق الحيل المالية (ومنها الدَين، والذي يسري على ما اقترضته الدول الفقيرة من الدول الغنية ولا يسري على ما سرقته الدول الغنية من الدول الفقيرة)، أو عن طريق استغلال العمالة غير الأوروبية الرخيصة والتي تقبل لأسباب مالية وقانونية واجتماعية، بظروف استغلالية أسوأ من التي تقبل بها نظيرتها الأوروبية، وبالتالي تنتج لأصحاب العمل فائضًا أكثر. هذا الفائض هو الذي جعل الدول والشركات في الغرب قادرة على منح امتيازات للطبقات العاملة والمتوسطة واقتطاع أموال لشبكات الرعاية الاجتماعية من دون أن تتأثر حركة الرأسمالية – فمقابل كل امتياز في المركز الغربي هناك معادن خام تُسرق من أطراف الأرض ومشاغل وحقول للسخرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وعمالة مهاجرة تتلقى أجرًا زهيدًا وتحرم من شبكات الضمان الاجتماعي، ومقابل كل قرش يصرف على هذه الامتيازات هناك أموال تُحقق من خلال هذا الاستغلال.1
من المنطقي إذن أن نسأل: من أين سيموّل ساندرز (لو فاز) مشاريع الضمان الاجتماعي الضخمة التي يعد بها؟ ربما ينجح ساندرز في تقليل الاستغلال الإمبريالي داخل الولايات المتحدة من خلال مقترحه بترسيخ برنامج لتجنيس المهاجرين غير المسجلين (يبقى هذا المقترح غير واضح وغير كاف ولكن ربما كانت البرامج الانتخابية دائما غير واضحة وغير كافية بالضرورة)، أما فيما يتعلق بالاستغلال الإمبريالي خارج الولايات المتحدة فإن تعامي ساندرز وأنصاره عنه قد يعني في النهاية زيادته لا نقصانه.



قد يبدو مقترح بيرني ساندرز لإلغاء "ديون الطلبة" هو الأبعد عن موضوع الاستعمار، إلا أن الفائض الذي سمح للبنوك بمنح هذه الديون أول الأمر لا ينفصل عن الفائض الإمبريالي. صحيح أن البنوك لا تقوم على استغلال العمالة الرخيصة على طريقة الشركات العملاقة (وإن كانت طبعا تتربح من هذه الشركات) إلا أنها كذلك تتربح من ديون الشعوب الفقيرة ومن المعاملات المالية مع النخب الاستعمارية والموالية للاستعمار في سائر أنحاء العالم.



فالبنوك الأمريكية تربحت، على سبيل المثال، من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (والحالة الأشهر هي سيتيبانك الذي كان آخر بنك أمريكي ينسحب من جنوب أفريقيا والذي ما زال يرفض دفع تعويضات لضحايا نظام الفصل العنصري). ما حدث في مصر أيضا مثال مهم: فقد مكن انفتاح أنور السادات البنوك الأمريكية من التربح من السوق المصرية حتى رأى بعض الباحثين أنها كانت "الرابح الأكبر من السنين الأولى للانفتاح"2 دخلت هذه البنوك إلى مصر وسط ظروف تمنحها اليد العليا في التفاوض مع الحكومة المصرية ومع البنوك المحلية التي ستشاركها، ولما رفضت الحكومة الشروط المجحفة لافتتاح فرع لبنك تشيس-مانهاتن في مصر، تدخل السادات بقرار فوقي لفرض قبول شروط المستثمرين الأمريكيين وإجبار "البنك الوطني" (أحد أكبر بنوك مصر وقتها) على الاندماج مع فرع بنك تشيس في مصر.3  أي إن الأموال التي حصل من خلالها الأمريكيون على القروض هي، في جزء منها، أموال منهوبة من بلادنا.

طبعا إلغاء الدين عن المدينين بالذات الذين استدانوا للدراسة هو في حد ذاته أمر نبيل ندعمه ونشجع عليه، إلا أنه يظل قاصرا، بل ومجحفا، وقابلا لأن يكون ذريعة لمزيد من الإجحاف، إذا مر من دون اعتبار لدور النهب الإمبريالي في تأمين هذه الأموال. نفس الشيء بالنسبة لبقية سياسات الأمان الاجتماعي التي يطرحها ساندرز.

يتضمن برنامج ساندرز الانتخابي منظومة طموحة لفرض الضرائب على أصحاب الأموال وبالذات على الشركات الكبرى. وإذ يخلو برنامجه الانتخابي من أي وعود للحد من استغلال هذه الشركات خارج أمريكا، فإن ما يعد به ساندرز لا يعدو أن يكون توزيعًا أكثر عدالة لثمار الاستغلال الإمبريالي ما بين أبناء الحاضرة الاستعمارية، مع إمكانية زيادة الاستغلال والنهب خارج الحواضر الإمبراطورية لتوفير الفائض الذي ستُدفع منه الضرائب التي ستوزع على الناس في شكل سبكة ضمان اجتماعي من دون أن تخل بدوران الآلة الرأسمالية.

هذا باستثناء المشروع الأكثر كلفة في برنامج ساندرز وهو مشروع الرعاية الصحية الشاملة للجميع؛ في هذا البند بالذات يتراجع ساندرز عن المنهجية الدقيقة في جمع الضرائب ويختبئ خلف تعميمات عن الأموال التي سيوفرها هذا المشروع على المدى الطويل. طبعا كلام جميل ولكنه يخلط ما بين الحاضر والمستقبل؛ فمن أين ستأتي الأموال التي ستنفق على المشروع في الحاضر إلى أن تأتي ثماره في المستقبل؟ هنا يأتي الفائض الإمبريالي مرة أخرى ليمثل مصدرا من مصادر السيولة، بالذات لشركات الأدوية التي تتربح من تسويق الأدوية عالميا بأضعاف أسعار التكلفة وضمن سياسات احتكارية – تساوي في بعض الأحيان في إمبرياليتها ما بين الحواضر الغربية وما بين الأطراف المستعمَرة4وإن كانت وطأتها على تلك الأخيرة أقسى بطبيعة الحال—ومن إجراء التجارب على البشر في أطراف الإمبراطورية ومستعمراتها.5

كل هذا يعني أن جزءا من تكلفة مشاريع ساندرز سيأتي، بشكل موضوعي وبنيوي، على حساب المستعمَرين، بل وينذر بأن تصعد الشركات من استغلالها لباقي الأطراف لتعويض خسارتها في مرحلة ساندرز الانتقالية ولتمويل السوق الرأسمالية في ظل خسرانها بعضا من الفائص الذي تكسبه من استغلال السوق المحلية في الولايات المتحدة. تدور الآلة الرأسمالية على الفائض المحلي والإمبريالي، وأي نقص في الفائص المحلي أو إعادة توجيه للموارد لبناء بنية اجتماعية فيه سيعتمد، وإن بشكل جزئي، على الفائض الإمبريالي خاصة وساندرز لا يمتلك الجرأة لاقتطاع هذه الأموال من الميزانية العسكرية، بل ويصر على أهمية أن يكون لأمريكا جيش قوي.

دبلوماسية ساندرز والعلاقات الدولية الإمبراطورية

عارض ساندرز حرب فيتنام ولم يصوت لغزو العراق، ويقدم في برنامجه معارضة خطابية للوجود العسكري الأمريكي في العراق وأفغانستان. هذه المواقف تمتاز عن مواقف منافسيه، ولكنها في الوقت نفسه لا تمثل معارضة حقيقية للإمبريالية (خاصة وقد أيد ساندرز في الماضي تدخلات عسكرية أمريكية أخرى في هايتي والصومال على سبيل المثال). أمّا برنامجه الانتخابي فيتمسك بالعلاقات الدولية الإمبراطورية وبالقوة العسكرية التي تسندها، ويمثل تعامي اليسار الليبرالي الأمريكي عن موقعه الإمبريالي وامتيازاته الإمبراطورية، وهو التعامي الذي يؤدي إلى ترسيخ العلاقات الإمبراطورية وتكريس المصالح الاستعمارية بدلا من نقدها.

فوراء دعواته الأخلاقية إلى وقف الدعم الأمريكي لحرب السعودية على اليمن، ولإنهاء الخلاف ما بين السعودية وإيران، إنكار لدور الولايات المتحدة في خلق هذه النزاعات واستثمارها. ويتحدث كما لو أن أمريكا قد استُدرِجَت إلى هذه الصراعات؛ وكأنه يستعيد الصورة النمطية القديمة للشعوب الهمجية المتصارعة، والغربي العقلاني المسكين الذي يجد نفسه متورطا في هذه الصراعات ومسؤولا عن حلها.
وبينما لا يشير بأي شكل من الأشكال إلى وقف التدخلات العسكرية والسياسية والاقتصادية في الدول الأخرى، يؤكد البرنامج على دور أمريكا في نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في سائر أنحاء العالم. يحتفظ بيرني بذلك بالرؤية الفوقية الاستعمارية، التي تمنح القوى الغربية سلطة تعريف مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وسلطة مساءلة الناس وفقا لهذه المفاهيم، ومن ثم سلطة نشر هذه المفاهيم والمعايير. إنها باختصار عقيدة بوش بقناع ليبرالي.6
فهل يريد بيرني ساندرز أن ينشر "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان" بالقوة العسكرية على طريقة صقور أمريكا؟ أم على طريقة حمائمها الذين يتبنون مبدأ "اقتلوهم جوعًا ولا تقتلوهم بالصواريخ"؟

يتحدث البرنامج عن "محاربة" العسكرة والسلطوية خارج أمريكا (وماذا عن عسكرة أمريكا وسلطويتها؟)، وبينما يتبنى موقفا منددا بالوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان والعراق فإنه لا يعد بالعمل على إنهاء الوجود العسكري الأمريكي في البلدين؛ وإنما يعد بالسماح للكونجرس بأن يمارس سلطته الدستورية على قرار الحرب وعلى هذا الوجود العسكري. يختبئ ساندرز هنا وراء التفصيلات الدستورية، ولكنه في الوقت نفسه لم يَعِد، على سبيل المثال "بالعمل مع الكونجرس على إنهاء هذا الوجود" ولا "بدعوة الكونجرس إلى إنهاء هذه الحروب"، وإنما بالسماح له باستعادة سلطته الدستورية على الحروب الأمريكية فحسب. وهنا المفارقة أن ساندرز بينما يقدم نفسه سياسيا فريدا في تقدميته وفي رفضه للحروب الأمريكية فإنه يعد بتكريس سلطة بداية هذه الحروب وإنهائها، لا في يده هو وإنما في يد الكونجرس الذي لا يشاركه تقدميته الفريدة المزعومة: يعد ساندرز بموقف تقدمي ويلغي في نفس الوقت سلطته لجعل هذا الموقف سياسة عملية. قد يكون هذا قمة الغباء، ولكنه قد يكون كذلك قمة الذكاء إذ يستطيع ساندرز بهذا أن يأخذ هو موقفا بريئا ونبيلا ويلقي بمسؤولية القرارات الدموية وتبعيتها الأخلاقية على الكونجرس، ويُطَمئِن الناخبين وجماعات الضغط والمصلحة في الوقت ذاته إلى أن مواقفه الأخلاقية لن تعطل آلتهم الإمبراطورية والاستعمارية.

وفي مقابل دعوته إلى محاربة عسكرة الآخرين، يصر بيرني ساندرز بوضوح، في حديثه مع المذيع "الكوميدي" الأمريكي حسن منهاج، على أنه لا يريد أن "ينزع العسكرة" عن أمريكا، بل على العكس يؤكد: "نحتاج جيشا قويا". ثم يقول في اللقاء نفسه بأنه يرى أن استخدام العنف قد يكون ضروريا؛ فهل يقبل ساندرز بأن يكون العنف ضروريا كذلك في مقاومة الاستعمار؟ وهل يمكن أن يكون استخدام العنف ضروريا للشعب الفلسطيني على سبيل المثال؟ أم أن ضرورة استخدام العنف هي امتياز حصري للإمبريالية تحتفظ به أمريكا وتُقِيم سياساتها الخارجية على التلويح به؟

نعرف إجابة ساندرز عن هذا السؤال، فساندرز يشدد بمناسبة وبدون مناسبة على "حق إسرائيل" في العيش بسلام وفي ندوة في عام 2014 وبعد عدوان إسرائيل على غزة، وبعد أن أشار سريعا إلى أن إسرائيل قد بالغت في استخدام العنف (ولم يكن يشير إلى العنف ضد المدنيين الفلسطينيين بل قال صراحة إنها قد بالغت في العنف إذ قصفت مواقع للأمم المتحدة)، مدعيا في الوقت ذاته بأن إسرائيل ليست سعيدة بهذا الوضع (مكررا بذلك الدعوى العنصرية عن إسرائيل المسكينة التي تجد نفسها مضطرة اضطرارا لممارسة العنف لحماية نفسها) أسهب ساندرز في الحديث عن عدوانية حماس وخطرها على وجود الكيان الصهيوني وكاد أن يلقي بلائمة العنف الإسرائيلي المفرط على المقاومة الفلسطينية، وحين سئل عن الحق في المقاومة صاح بصاحب السؤال أن يسكت وتوعده بأن يطلب له الشرطة قبل أن يعطيه دروسا فوقية عن معنى الديمقراطية (التي تتسع، كما هو واضح، لساندرز لكي يلقي أكاذيبه ولا تتسع لمجرد التفكير في حق الشعوب الواقعة تحت الاحتلال في المقاومة) قبل أن يبرر العنف ضد العرب بأن "هناك شيء اسمه تنظيم الدولة الإسلامية" و"إننا ما زلنا نحاول أن ندرك، فيما يتعلق بهذه المنطقة، كيف نتعامل مع عشرات الآلاف المسلحين جدا [هكذا] والعدوانيين."

ساندرز وموقع اليسار الإمبريالي

لا تشذ مواقف ساندرز الصهيونية عن مواقفه الاستعمارية الأخرى، فهو حين ينكر على الفلسطينيين حق المقاومة، ويعزف في المقابل عن تبني خيار مقاطعة إسرائيل (أي يتخلى عن مقاومة إسرائيل سلميا بعد أن أنكر على الواقعين تحت الاحتلال مقاومتها عسكريا) فإنه عمليا يجعل مفهوم العدالة وآلية تطبيقها وفرضها على الأطراف الأخرى في يد أمريكا—وطبعا لسنا بحاجة للتذكير بانحياز أمريكا للكيان الصهيوني والذي يمتد من أصليهما ككيانين استيطانيين إلى مصالحهما الاستعمارية المشتركة؛ ساندرز نفسه قال أثناء حملة 2016 الانتخابية في كلمة وجهها إلى "لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية" (إيباك AIPAC، أكبر منظمات اللوبي الصهيوني) "لدى أمريكا وإسرائيل أواصر تاريخية: توحدنا ثقافتنا، وتوحدنا قيمنا، والتزامنا العميق بالمبادئ الديمقراطية، والحقوق المدنية، ودولة القانون".  لم يذهب ساندرز إلى مؤتمر إيباك هذه المرة ولم يوجه لها خطابا (بسبب سياسات حكومة نتنياهو، طبعا) ولكن محتوى كلامه في الشأن الفلسطيني والإسرائيلي لم يختلف كثيرا.

المسألة ليست فقط مسألة الموقف من الحق الفلسطيني، أو من التدخلات السياسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية هنا أو هناك، ولكنها كذلك مسألة رؤية أمريكا لنفسها، وإصرار قطاعات واسعة من "اليسار" الأمريكي على عدم انتقاد موقعهم الإمبريالي، وانسياق الكثير من "المثقفين" والمراقبين والمعارضين العرب، المغرمين بساندرز والمتغاضين عن مساوئه وراء هذه الرؤية الأمريكية القاصرة، وكأن علينا أن نغيّب أنفسنا من حسابات الإمبراطورية.

ليس الهدف من هذا المقال تقييم تجربة ساندرز قبل أن تبدأ، فالأرجح أن هذه التجربة لن تبدأ: فإن لم يئدها الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأولية وأدها الأمريكيون في انتخابات الرئاسة، وإلا فإن الكونجرس وجماعات الضغط لن يسمحوا لساندرز، لو فاز بالرئاسة، بتمرير الجزء الأكبر من إصلاحاته الموعودة. السؤال الأهم، والذي يتعدى حملة ساندرز الانتخابية، هو رؤية حركات المعارضة في أمريكا لموقعها الإمبراطوري ولعلاقتها بالحركات المعارضة في أطراف الإمبراطورية، وهل هي مستعدة أن تسائل موقعها وأن تستمع إلينا في الأطراف، وأن تعيد النظر في امتيازاتها الاجتماعية التي تأتي على حساب سائر الشعوب المستضعفة والمستعمَرة، أم تريد أن تجرنا جميعا إلى مواقف متواطئة مع الإمبريالية ومتعامية عن وطأتها علينا.






يذهب عالما الاقصاد السياسي جورميندر بهامرا وجون هولمود إلى أن التقسيم العنصري للعمل أصيل في الرأسمالية أصل التقسيم الطبقي، ويذهبان أيضا إلى أن دولة الرفاة لم تكن لتقوم لولا هذا التقسيم؛

Gurminder K. Bhambra & John Holmwood (2018) Colonialism,
Postcolonialism and the Liberal Welfare State, New Political Economy, 23:5, 574-587, DOI:
10.1080/13563467.2017.1417369
ينظر كذلك تحليل فلاديمير لينين لـ"الأرستقراطية العمالية" وكيف منحت الإمبريالية نفس الحياة للرأسمالية عن طريق استغلال العمال في الأطراف ومن ثم منح امتيازات للعمال في الحواضر الغربية وبالتالي استقطابهم إلى عقيدة البرجوازية ونمط حياتها، في كتابه الشهير الإمبريالية أعلى درجات الرأسمالية

2
Hazem Kandil, Soldiers, Spies, and Statesmen: Egypt’s Road to Revolt, 163.

3
السابق.

4
لم تكن محاولة ترامب شراء احتكار مصل كورونا قبل اكتشافه سوى مثال شديد الفجاجة (كما نعتاد من ترامب) على الإمبريالية الدوائية السائدة. وفي صعيد مشابه فقد رفضت شركة تصنيع صمامات لأجهزة التنفس مشاركة تصاميمها مع  متطوعين إيطاليين أرادا تقليد هذه التصاميم  لإنقاذ مرضى الكورونا الذين يعانون من أعراض تنفسية حادة في ظل غياب المنتج الأصلي باهظ الثمن من الأسواق (وقيل إنها هددتهم بمقاضاتهم وإن كانت هذه التفصيلة قد نفيت بعد ذلك).  

5
على سبيل المثال تتحدث المجتمعات الغربية عن عقاقير منع الحمل كإنجاز علمي واجتماعي ونسوي للمجتمعات الغربية وتنسى أن توافر هذه العقاقير هو نتاج الاختبارات التي أجرتها شركات الأدوية على نساء بورتوريكو (الواقعة تحت الاحتلال العسكري الأمريكي) من دون إخطارهن بأنهن يخضعن لتجربة أو إخطارهن بأخطارها وعوارضها الجانبية، ومن دون مراعاة نسب الهرمونات الآمنة في هذه العقاقير.

6
عقيدة بوش والمحافظين الجدد هي في عمقها عقيدة ليبرالية تؤمن بنشر الديمقراطية أو تتذرع به. وقد ولدت هذه العقيدة في صفوف الحزب الديمقراطي قبل أن ينشق معتنقوها في الستينات وينضموا إلى الحزب الجمهوري.

Comments

Popular posts from this blog

ديوان الأعشاب: نباتات عطرية في تراث الشعوب

Barack Obama’s Promised Land: The Empire in Blackface

فيروز وما قالته الصورة